بعد شوقي وحنيني للقدس..... كان شرف عودتي للأراضي المقدسة غير كل مشاعري... فلم اعد تلك الفتاة الساذجة....ولم يعد شيء كما كان ......بل زاد مرض ارضي وزادت حرقتي .......فكيف اموت قبل أن أخطي أرضها......وكيف لن اقبل ترابها.....فلها بقلبي الحصة الأكبر .....كنت سأسجد سجدة شكر ...نعم عند اول خطوة لي وسط الطريق على مشارف حاجز قلنديا ....لكن خوفي من ان تحدث حالة تأهب لدى برج مراقبة يفصل الرام عن القدس كانت تصرخ من خلاله مجندة بين الحين والأخر....خفت ان احرم من رؤيتها مجددا.. فقلت لنفسي ستسجدي في الأقصى لتشكري خير لك......
كانت كلمات تميم البرغوتي موسيقى رحلتي كعازف كمان رافقني طول الطريق.......لكني لن أتغزل بجمال القدس وروعتها فالقدس أغنى من ان اعرفها,,,,,, فقط أردت أن اصف فيها شيءً لم أره من قبل ...... صعب علي فهمة.... أصعب من معادلة فيزياء لإخراج جهد جسم يتأرجح بين ثلاث بكرات كلُ منها بزاوية مختلفة......
كنت قبل دخول شوارعها خائفة من نظرات اليهود لمحجبة تتجول بينهم......لكن خوفي اندثر فتوقعاتي لم يكن لها اثر..... تلك المدينة التي اختلفت زوايا سكانها.....حيرتني بهويتها....... يهود وسكناج بالمكان.....قبعات سود و حبال تهتز على خصور الرجال كأنها ترسم لوحة بيد رسام توترت يداه ولم تعد تريد الثبات,,,, فليس مكانها هنا...ألا يفهون!!! ... ولكنهم صم بكم لندائها لا يسمعون.......
عرب مسلمين ومسيحيين يتجولون بالمكان ........ عرفتهم بسيماهم وابتساماتهم التي كنت ابحث عنها بين جموع الناس.......أعجبتني تلك النظرات وبادلتهم الابتسامات ....... لهم في قلبي معزة .....فهم بنظري مرابطون وصدقوني لا يحسدون .......فهم أمام أعينهم واقفون.....في لقمة عيشهم مشاركون......يصبحون بهم ويمسون........فالله يكون بعونهم .....فو الله كل مال و جمال الدنيا لا ينسي غصة قلب من فلسطيني يرى ما رأيت ذلك اليوم كل يوم .....
كيف سأصف لكم كيف كان لكلمة " احمد" من فم يهودي نادى عليه في مقهى لاستلام طلبه في قلبي كأنها أذان صلاة بأذني.....تنادى بمآذن الجوامع .... تمنيت لو كانت كل أسماءنا باسم رسولنا أحمد.. ....
لا اعلم لماذا رأيت لكل شي عربي طعم آخر.....لم أتوقف عن السؤال عن كل ما حولي....... عن أسماء شوارع وبنايات...... عن عبارات وآيات نحتت بالصخر علت بنايات. ومنازل..... فسماتها عربية مهما حاولوا تهويدها...... فجنستها فلسطينية...... فلن يستطيعوا سحب الدم الفلسطيني من عروقها الا إذا قتلوها ....او جاء زلزال ابتلعنا جميعا عن وجه الأرض.....صدقوني رايتهم كالزوار فيها......وأنا! مليكه المكان.......لم ولن اشعر بغربة....... فالقدس بيتي و أهلها أهلي.....هم و نحن لها حافظين ان شاء الله
نظرت إلى يساري وإذ بها..... قبة الصخرة...... شامخة كأنها جبل من القدسية لمعت بجنون.....حلت على قلبي كبركان فاض بعيني دموع ........كأنني ولدت من بعدها من جديد.......انتفض قلبي فأطفئ نار شوقي ....
حمدتك يا ربي ولم أتوقف عن حمدك للحظة واحدة ........ لأمرين.....أولهما لحسن ما رأيت وروعة ما شعرت.....فقي القدس من في القدس إلا أنا!.. .... وأعوذ بالله من كلمة أنا .......فلم اكن أتخيل أن أكون أنا هاهنا......
ثانيهما... كان بعدما ذهلت بجمال ما رأيت من حدائق و بنيان وأسواق من حرية تنقل وبحر و شواطئ وموانئ ...........و لكن عندما فكرت انه ماذا لدينا وما لديهم فشكرت......... نعم شكرت فلكل ذلك الجمال ثمن.....يدفعه المقدسييون وفلسطينيوا الداخل كل يوم .......ونحن في قلوبنا أثمن من ما رأيت........ فالله عوضنا بالقوة والقناعة والصبر ......... فالحمد لله والحمد لله والحمد لك ربي على ما أنعمت علينا وعلى ما حرمتنا وحميتنا منه ......